في الذكرى ال74 للنكبة الفلسطينية، ما أوجه الشبه بين المحرقة اليهودية والنكبة الفلسطينية، ولماذا تشكّل كل منهما جزءً من هوية كلا الشعبين الفلسطيني واليهودي؟
يحاول الباحثان بشير بشير وعاموس جولدبيرج في مقالهما "المحرقة والنكبة" الإجابة عن سبب نظر الشعب الإسرائيلي إلى الاعتراف بالنكبة الفلسطينية على أنها تهديد لشرعية دولة إسرائيل ووجودها، ومن الجهة المقابلة، عن سبب نظر الشعب الفلسطيني إلى الاعتراف بمحرقة اليهود في أوروبا كتهديد للهوية والذاكرة الفلسطينية. يحاول الباحثان خلق مساحة يمكن من خلالها لكلا الشعبين الاعتراف بمعاناة الآخر، وقبوله كشريك في مفاوضات اجتماعية لا يتم فيها المساس بوجود وهوية كلا الشعبين. بناءً على ذلك، يتساءل الكاتبان حول كيفيّة التحدث عن معاناة وذاكرة الشعب الآخر، دون الإضرار والمساس بذكرياته الخاصة وتاريخه؟
وفقاً للباحثين، يجب تطوير سياسة خطاب ثنائي القومية، وليس ذلك بمعنى دولة ثنائية القومية، بل ثنائية للقومية في أذهاننا، وذلك يعني شيئين رئيسيين: أولاً، بأن النكبة هي جزء أساسي من التاريخ الإسرائيلي والصهيوني، وعلى الإسرائيليين تحمّل مسؤولية ذلك. بينما المحرقة، بطريقة مختلفة تماماً، فهي جزء من التاريخ الفلسطيني لأن الفلسطينيين لم يكونوا قادرين على تجنب تداعياته المحلية وأهميته العالمية. ثانياً، فإن الإسرائيليين لا يحق لهم السيطرة على خطاب التاريخ والذاكرة والفاجعات. لذلك، فإن هذا الإطار الخطابيّ حساس للغاية، ويجب أن يفسح المجال لكلا الفاجعات، المحرقة والنكبة على حد سواء، وبالتالي رفض التسلسلات الهرميّة للمعاناة.
بالتحدّث عن المحرقة، فقد كان يُنظر لليهوديّ في أوروبا على أنه شخص يتجاوز الحدود، متعدد اللغات والثقافات غالباً، وذو دين مختلف، كما ينحدر من عرقٍ مختلفٍ عن العرق الاوروبيّ، ويشكّل عدم تجانس في الدول الأوروبية المتواجد فيها. لقد عانى اليهود من مختلف المجتمعات والدول القومية في أوروبا الشرقية والغربية من هذه الصورة بطرق مختلفة جداً، ليس فقط في ألمانيا النازية وحدها، بل أيضاً في بولندا، رومانيا، فرنسا، روسيا بشكل كبير، وغيرها من الأماكن. لذلك، لا يمكن تفسير مصير اليهود في كل مكان من خلال هذه السياق فقط والذي ينبع من الدافع القومي للتجانس. بمجرّد تعريف اليهود على أنهم "آخرون" فقد أصبحوا هدفاً للاضطهاد والتمييز والإقصاء، وفي أحيانٍ أخرى للطرد أو القتل، والمثال الأكبر على ذلك هو ألمانيا النازية التي كان اليهود هدفها الرئيسيّ، لتشكيل تجانس عرقيّ نازيّ.
النكبة الفلسطينية كذلك، كانت نتيجة لمواجهة قومية واستعمارية، والتي كان فيها تطلّع الجانب اليهودي إلى تكوين تجانس عرقي داخل دولته من بين العوامل التي أدت إلى وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين. فمنذ منتصف الثلاثينات وما بعدها، تبنّت الصهيونية أثناء نضالها ضد الفلسطينيين إلى حد كبير النموذج الأوروبي للقوميّة العرقيّة، والذي يقوم بتحديد الهوية العرقيّة للدولة القوميّة ومشاريعها المعتمدة على التجانس العرقي ووحدته. في الوقت ذاته، رفض غالبية الفلسطينيون الاعتراف بشرعية الدولة اليهودية الاستيطانية الجديدة، وازدياد القومية اليهودية في فلسطين، ولذلك، فقد رفضوا خطة التقسيم المقترحة في عام ١٩٤٧، وعارضوا اليهودية والاستيطان في فلسطين باعتبارهما استعماراً، وبؤرة استعمارية للإمبريالية الغربية.
في هذا السياق، أصبح "الآخر" غير اليهوديّ، أي الفلسطينيين، تهديداً لشرعية السيادة اليهودية من جهة، وتهديداً للوجود العرقي خاصتهم من جهة أخرى. إن التطهير العرقيّ ومحاولة خلق التجانس العرقيّ، لا سيما في وقت الحرب، قد كانا سبباً حتمياً في حصول النكبة. يستخدم الباحثان مصطلح "عدم الاستقرار التعاطفي"، والذي أوجده دومينيك لا كابرا، في محاولة لتقديم وسيلة يمكن من خلالها تخفيف حدّة فكرة والتي يقف داخلها موقفان متعارضان. من ناحية، فإن الاعتراف بالطرف الآخر ومعاناته يتطلّب التحدّث عنه والتعرف عليه. من ناحية أخرى، فإنه يتطلب التعرف على اختلاف الآخر دون السيطرة عليه وانتزاع ما يتميّز به. إن هذا النوع من "عدم الاستقرار" من شأنه أن يُلزم اليهود بتحمّل مسؤولية الكارثة التي تسببوا فيها للفلسطينيين، وعلى عكس ذلك، فإن من شأنه أن يقود الفلسطينيين بالاعتراف بما لم يكن من الممكن تصوّره حتى الآن، وهو شرعية اليهودية الإسرائيلية التي نشأت في فلسطين. قد يقول البعض بأن "عدم الاستقرار" هذا من شأنه أن يسمح لكل طرف بالتعرّف على قصة الطرف الآخر وفهمها دون المخاطرة بفقدان وجوده المشروع، أي أنه سيسمح للفلسطينيين لفهم الموقف الإسرائيلي بعد خسارة جزء من سكانه في حرب ١٩٤٨، صراع لم يقوموا هم ببدئه، وموقف الفلسطينيين الذين فقدوا بيتهم ووطنهم في نفس الصراع.
◀️المصدر: The Holocaust and the Nakba: A New Grammar of Trauma and History
———————————-
#القدس #النكبة #المحرقة
https://www.facebook.com/198764100710651/posts/1062122377708148/